سوسة، لؤلؤة الساحل: تونس 1975
سوسة، التي يشار إليها غالبًا باسم “لؤلؤة الساحل”، هي واحدة من أقدم مدن تونس. تشتهر بتاريخها الغني، وموقعها الاستراتيجي، وثقافتها النابضة بالحياة. تقع سوسة على الساحل الشرقي لتونس، على بعد حوالي 140 كيلومترًا جنوب تونس العاصمة. وقد جعل موقع المدينة على البحر الأبيض المتوسط منها ميناءً مهمًا ومركزًا تجاريًا طوال تاريخها.
الجغرافيا والمناخ
تتمتع سوسة بمناخ متوسطي مع صيف حار وجاف وشتاء معتدل ورطب. ويعمل قربها من البحر على تعديل درجات الحرارة، مما يوفر ظروفًا مريحة للسكان والسياح. وقد كان لموقعها الساحلي تأثير كبير على تطورها عبر العصور، من طرق التجارة القديمة إلى السياحة الحديثة.
التاريخ القديم
تأسست مدينة سوسة على يد الفينيقيين باسم حضرموت في القرن الحادي عشر قبل الميلاد. وقد شهدت المدينة صعود وسقوط عدة إمبراطوريات. وتدل الآثار على أن المدينة أصبحت تابعة لدولة قرطاجة في القرن السادس قبل الميلاد. ثم ازدهرت المدينة لاحقا تحت الحكم الروماني حيث عرفت باسم حضرميتوم (حضرموت) وأصبحت واحدة من أغنى المدن في المقاطعات الرومانية بإفريقيا. كما تركت الإمبراطورية البيزنطية بصمتها على المدينة، قبل أن تحولها الفتوحات الإسلامية في القرن السابع إلى مدينة إسلامية وتشكل طابعها العمراني الحالي.
سوسة في العصر الإسلامي
بعد الفتح الإسلامي في القرن السابع، أصبحت سوسة مدينة مهمة في العالم الإسلامي. في ظل حكم الأغالبة في القرن التاسع، ازدهرت المدينة كمركز للتجارة والقوة العسكرية. وقد بنيت في تلك الفترة بعض أهم المعالم المعمارية مثل الرباط الكبير والمسجد الجامع في سوسة. وخلال حكم الفاطميين (909-1171) وحلفائهم الزيريين (972-1148)، استمر ميناء سوسة الاستراتيجي في خدمة الأساطيل والتجار المسلمين. لعبت المدينة دورًا مهمًا في الدفاع عن الساحل ضد الغزاة الأوروبيين، مما عزز مكانتها. ولقد شكل العصر الإسلامي بشكل عميق تخطيط سوسة الحضري وثقافتها وهويتها، ولا تزال العديد من معالمها المميزة قائمة حتى اليوم كرموز لتراثها الإسلامي.
التاريخ الحديث
لعبت سوسة دورًا مهمًا في تاريخ تونس الحديث، خاصة خلال فترة الاستعمار الفرنسي (1881-1956). بعد الاستقلال في عام 1956، شرعت تونس، بما في ذلك سوسة، في مشاريع التحديث. تطورت المدينة لتصبح مركزًا صناعيًا وتجاريًا مهمًا. اليوم، تشتهر سوسة بمزيجها بين الأصالة والمعاصرة، حيث تتعايش فيها المواقع المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، مثل المدينة العتيقة، مع البنية التحتية الحديثة.
أبرز معالم سوسة، لؤلؤة الساحل
تحتضن سوسة العديد من المعالم البارزة التي تبرز أهميتها التاريخية والثقافية:
- المدينة العتيقة أو “بلاد العربي” في سوسة: موقع مسجل على قائمة التراث العالمي لليونسكو، المدينة العتيقة مثال جيد للتخطيط الحضري الإسلامي المبكر، بشوارعها الضيقة وأسواقها التقليدية ومنازلها القديمة. تحيطها الأسوار التي يعود تاريخها إلى القرن التاسع الميلادي.
- رباط سوسة: من أبرز المعالم في المدينة، الرباط دير محصن بُني في القرن الثامن. كان بمثابة مركز ديني ونقطة عسكرية، يحمي الساحل من الغزاة. يوفر برج الرباط إطلالات بانورامية على المدينة والبحر الأبيض المتوسط. وقد ظهر رباط سوسة على طايع بريدي تونسي في نهاية فترة الاستعمار وفي أول مجموعة طوابع تونسية صدرت بعد الإستقلال.
- الجامع الكبير في سوسة: يقع بالقرب من الرباط، وقد بُني في عام 851 ميلادي. يعكس تصميمه المعماري، الذي يشبه القلعة، الأوقات المضطربة التي شيد فيها، بجدرانه السميكة ونوافذه الصغيرة المصممة للدفاع ضد الغزاة.
- القصبة: قلعة بُنيت في القرن التاسع وتقع على أعلى نقطة في المدينة. توفر إطلالات شاملة وتضم المتحف الأثري بسوسة، الذي يحتوي على مجموعة من الفسيفساء الرومانية والتماثيل القديمة وغيرها من القطع الأثرية التي تروي تاريخ المنطقة.
- دواميس سوسة الجنائزية، أو سراديب الموتى للراعي الصالح: شبكة من 240 سردابا تمتد لأكثر من خمسة كيلومترات. وقد استخدمها المسيحيون الأوائل في القرن الثالث لدفن الموتى حيث تضم 15 ألف قبر. وقد حُفرت القبور في الأرض وبالجدران أو جعلت في شكل توابيت وضعت في كوّات تعلوها أقواس أو جمعت في غرف.وتوفر هذه السراديب رؤية رائعة لتاريخ المسيحية المبكر في شمال إفريقيا.
الاقتصاد والخصائص الاجتماعية
تعد سوسة لاعبًا اقتصاديًا رئيسيًا في تونس، حيث تمتد صناعاتها من الزراعة إلى إنتاج زيت الزيتون، والمنسوجات، والسياحة. تشتهر المنطقة بأشجار الزيتون، ويظل إنتاج زيت الزيتون حجر الزاوية في اقتصادها. كما أن السياحة أيضًا لها أهمية بالغة، حيث تجذب شواطئ المدينة الرملية ومعالمها التاريخية وأسواقها النابضة بالحياة الزوار من جميع أنحاء العالم.
تُعد المدينة العتيقة بسوسة، بأسوارها ورباطها وجامعها الكبير، موقعًا للتراث العالمي لليونسكو، مما يعكس الأهمية التاريخية للمدينة. ساعدت صناعة السياحة في سوسة في دمج المدينة في الاقتصاد العالمي، مما خلق فرص عمل وشجع على تبادل الثقافات.
في الختام، سوسة مدينة تجمع بين القديم والحديث، حيث يُحتفى بالتراث الثقافي جنبًا إلى جنب مع التقدم الاقتصادي. تعد معالمها شهادة حية على تاريخها النابض بالحياة ودورها كمنارة ثقافية في تونس. الطابع البريدي الذي يظهر هنا يعكس سحرها الخالد وأهميتها المستمرة في الرواية التاريخية لتونس. هذا الطابع هو جزء من مجموعة من ستة طوابع تمثل المدن التونسية، أصدرت في عام 1975 لإحياء ذكرى مهرجان قرطاج الدولي للفنون الشعبية.
المرجع في الكتالوج : Yvert & Tellier 808, 1975